---—•————
فاصدع بأمرِك ما عليك غضاضةً
علي المسعودي
يشرف الشعر ويرتقي بأسبابه وبمآلاته.. كما يشرف بلغته ومضامينه. وماذا أشرف وأعلى قيمة وسمواً من أن يقترن الشعر بكلام الله، ويكون سببا من أسباب نزول جبريل على النبي محمد ﷺ بالقرآن؟
وهذا ماحدث مع هذه الأبيات الشعرية التي أنشدها ابوطالب بن عبدالمطلب عم الرسول ﷺ مدافعاً عن ابن اخيه وعن دعوته الصادقة، شاهداً له بالأمانة والصدق والخيرية. وكان ابوطالب من اشرف الرب نسباً وبيانا وله في الشعر اقوال عليّك، اما عذه الابيات فأوردها البغوي في تفسيره وأوردها النيسابوري في كتابه "أسباب النزول" وذلك في الحديث عن سورة الأنعام، وتحديدا الآية الاي يقول الله تعالى فيها:
وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ۖ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26)
ومضامين الآية ان الكفار بمكة كانوا ينهون الناس عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ( وينأون عنه ) أي : يتباعدون عنه بأنفسهم ، قاله محمد بن الحنفية والسدي والضحاك ، وقال قتادة : ينهون عن القرآن وعن النبي صلى الله عليه وسلم ويتباعدون عنه .
وقال ابن عباس ومقاتل نزلت في أبي طالب كان ينهى الناس عن أذى النبي صلى الله عليه وسلم ويمنعهم وينأى عن الإيمان به ، أي : يبعد ، حتى روي أنه اجتمع إليه رؤوس المشركين وقالوا : خذ شابا من أصبحنا وجها ، وادفع إلينا محمدا ، فقال أبو طالب : ما أنصفتموني أدفع إليكم ولدي لتقتلوه وأربّي ولدكم؟
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاه إلى الإيمان ، فقال : لولا أن تعيرني قريش لأقررت بها عينك ، ولكن أذب عنك ما حييت .
وقال فيه أبياتا :
والله لن يصلوا إليك بجمعهم
حتى أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة
وابشر بذاك وقر بذاك منك عيونا
ودعوتني وعرفت أنك ناصحي
ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
وعرضت دينا قد علمت بأنه
من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار سبة
لوجدتني سمحا بذاك مبينا
قال الواحدي النيسابوري بعد ايراد عذه الابيات في كتابه أسباب النزول:
فأنزل الله تعالى "وهم ينأون عنه".
وقد اشتهرت لأبي طالب قصيدة يستسقي فيها بالنبي قبل بعثته واخرى لامية شهيرة بعد البعثة، ويذكر المؤرخون أن قحطا شديدا اصاب الناس فخرج ابوظالب ومعه غلام كأنه دجن تجلت عنه سحابة قتماء، وحوله أُغيلمة، فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ بأضبعه الغلام، وما في السماء قزعة، فأقبل السحاب من ها هنا وها هنا واغدودق وانفجر له الوادي، وأخصب النادي والبادي، وفي ذلك يقول أبو طالب:
وميزان عدلٍ لا يخيس شعيرة
ربيع اليتامي عصمة للأرامل
تطيف به الهلاّك من آل هاشم
فهم عنده في نعمه وفواضل
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
ووزان صدق وزنه غيرعائل
وقول أبي طالب: "وأبيض يستسقى الغمام" ..
ضمن قصيدة طويلة له تزيد على الثمانين بيتًا قالها بعد بعثة الرسول -صلى الله عليه وسلم.
قال ابن كثير بعد أن أورد القصيدة: "هذه قصيدة عظيمة بليغة جدًا لا يستطيع يقولها إلا من نسبت إليه وهي أفحل من المعلقات السبع، وأبلغ في تأدية المعنى فيها جميعًا