أذكر مكالمة خاطفة وردت منها قبل فتة من وفاتها.. أعطتني قصيدتين للنشر.. وقالت أنها ذاهبة إلى الحج
دعوت لها الله
نشرت القصيدتين تباعا.. ثم طال غياب قصائدها أكثر من العادة، فسمعت أنها مريضة مرضا شديدا..
ثم كانت مفاجأة موت الشاعرة (وسمية الصابري) الأليم.. في عام 2003 عن عمر يقارب 34 عاما رحمها الله والتي اشتهرت باسم عابرة سبيل ونشر لها ديوان واحد تحت اسم (ديوان عابرة سبيل)
ثم وردتني آخر قصيدة لها.. هي مزيج من الوصية ورثاء النفس وحكمة امرأة لايعرف الناس عنها إلا شعرها الجميل الأصيل الحزين الساخر العميق الشفاف الواضح
لكنها لم تكن لغزا شعريا.. ينتهي الحديث عنه بمجرد معرفة حله..
في حياتها.. اختفت وراء شعر مذهل.. يمكنه رسم الكثير من ملامح شخصيتها: الحزينة، المرحة، المحافظة على أصالة بداوتها، الساخرة من المجتمع.. ومن نفسها أحيانا، تتذكر عزلتها الاجبارية ثم الاختيارية.
هي الشاعرة التي ترجمت مشاعر البدوية بعمق يتجاوز الشكل الخارجي،
وتستغرب عندما ترى هذا النموذج الغريب الذي تحققه «عابرة سبيل» في قصائدها ما بين الطرافة والحزن ، كيف آلفت بين الثلج والنار؟ كيف سكبت الريح في كأس وألقتها في قلب يرتجف خوفاً وطمعاً؟
كيف ترجمت مكبوتات الأنثى وكتبتها في «ضحك كالبكاء»؟
ولعل أهم ما يلفت الانتباه ذلك النوع الانتحاري من الحب في شعر عابرة سبيل، الجارف الذي لا يقبل إلا أقصى العطاء،فيما الفراق هو رديف الموت بصورته الحسّية والمعنوية:
وشعر «عابرة» عَبْرة في الشعر، يكتسب أهميته بالتقادم، ويزيد ثمنه بمرور الزمن، ونستجلي مع مرور الوقت،بصفتها شاعرة «أنثى» تنتمي إلى زمنين: قديم وحديث!!
كانت هي... وظلت هي... مندمجة في حرفها الإنساني، في حبرها الصادق، وفي إخلاصها التام لإيمانها بقدر الإنسانالمحتوم... ولحريقها الدافئ!!
تخاطب زوجها، كأنما هي تخاطب العالم، وتتحدث عن نفسها، كأنما تتحدث بلسان كل عابر من حياة الفناء إلى حياةالبقاء، توصي... لتُبكي كل من يقرأ.
ترجّ القلب رجّ المتعض المعتبر المكلوم الموجوع الذي يغلي قلبه بلحظة الوداع الحارة.
ماتت «عابرة سبيل» فأحيت بهذه القصيدة قلوباً أحبتها، واحترقت لأجلها... وهي القصيدة الأخيرة التي كتبتها وهي تقترب كثيرا من الوداع، وخاطبت بها زوجها «أبوفهد:
ترى الذبايح وأهلها ما تسلّيني
أنا أدري أن المرض لا يمكن علاجه
أدري تبي راحتي لا يا بعد عيني
حرام ما قصّرت ايديك في حاجه
خذها وصاية وأمانة لا تبكّيني
لو كان لي خاطر ما ودّك إزعاجه
أبيك في يدك تشهّدني وتسقيني
أمانتك لا يجي جسمي بثلاجه
لف الكفن في يديك وخلّ رجليني
ماغيرك أحدٍ كشف حسناه وإحراجه
أبيك بالخير تذكرني وتطريني
يجيرني خالقك من نار وهّاجه
سامح على ما جرا بينيك وما بيني
أيام نمشي عدل وأيام منعاجه
عيالي همّي وأنا اللي فيّ يكفيني
علّمهم الدين تفسيره ومنهاجه
> عابرة سبيل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق