قصة قصيدة
لطمة من أعرابي أخرجته من الإسلام
جبلة بن الأيهم الغساني: تنصّرت الأشرافُ
من عار لطمةٍ!
علي المسعودي
ملك نصارى العرب جبلة بن الأيهم بن جبلة بن
الحارث بن أبي شمر.
وهو: ابن مارية ذات القرطين.
وغسان أولاد عم الأنصار أوسها وخزرجها،
وكان جبلة آخر ملوك غسان ايام هرقل. ،
وقد أسلم في أيام عمر
وروى ابن الكلبي وغيره: أن عمر لما بلغه
إسلام جبلة فرح بإسلامه، ثم بعث يستدعيه ليراه بالمدينة.
فركب في خلق كثير من قومه
فلما سلم على عمر رحب به عمر وأدنى مجلسه،
وشهد الحج مع عمر في هذه السنة، فبينما هو يطوف بالكعبة إذ وطء إزاره رجل من بني
فزارة فانحل، فرفع جبلة يده فهشم أنف ذلك الرجل.
فاستحضره عمر فاعترف جبلة.
فقال له عمر: أقدته منك؟ (أي يقتص منك
فيلطمك كما لطمته)
فقال: كيف، وأنا ملك وهو سوقة؟.
فقال: إن الإسلام جمعك وإياه، فلست تفضله
إلا بالتقوى.
فقال جبلة: قد كنت أظن أن أكون في الإسلام
أعز مني في الجاهلية.
فقال عمر: دع ذا عنك..
فلما رأى الحد قال: سأنظر في أمري هذه
الليلة، فانصرف من عند عمر، فلما ادلهمّ الليل ركب في قومه ومن أطاعه فسار إلى
الشام وقد ارتد إلى النصرانية ثم دخل على هرقل في مدينة القسطنطينية، فرحب به هرقل
وأقطعه بلادا كثيرة، وأجرى عليه أرزاقا جزيلة، وأهدى إليه هدايا جميلة، وجعله من
سمّاره، فمكث عنده دهرا
ثم إن عمر كتب كتابا إلى هرقل مع رجل يقال
له: جثامة بن مساحق الكناني.
فلما بلغ هرقل كتاب عمر بن الخطاب قال له
هرقل: هل لقيت ابن عمك جبلة؟.
قال: لا.
قال: فالقه، فذكر اجتماعه به وما هو فيه من
النعمة والسرور والحبور الدنيوي، في لباسه وفرشه ومجلسه وطيبه وجواريه، حواليه
الحسان من الخدم والقيان، ومطعمه وشرابه وسروره وداره التي تعوض بها عن دار
الإسلام.
وذكر أنه دعاه إلى الإسلام والعود إلى
الشام فقال: أبعد ما كان مني من الارتداد؟.
فقال: نعم! إن الأشعث بن قيس ارتد وقاتلهم
بالسيوف، ثم لما رجع إلى الحق قبله منه وزوجه الصديق بأخته أم فروة.
قال: فالتهى عنه بالطعام والشراب، وعرض
عليه الخمر فأبى عليه، وشرب جبلة من الخمر شيئا كثيرا حتى سكر، ثم أمر جواريه
المغنيات فغنينه بالعيدان من قول حسان يمدح بني عمه من غسان، والشعر في والد جبلة:
لله در عصابةٍ نادمتهم *
يوما بجلق في الزمان الأول
أولاد جفنة حول قبر أبيهم *
قبر ابن مارية الكريم المفضل
يسقون من ورد البريص عليهم *
بردى يصفّق بالرحيق السلسل
بيض الوجوه كريمةٌ أحسابهم *
شم الأنوف من الطراز الأول
يغشون حتى ما تهر كلابهم *
لا يسألون عن السواد المقبل
قال: فأعجبه قولهن ذلك.
ثم قال: هذا شعر حسان بن ثابت الأنصاري
فينا وفي ملكنا.
ثم قال لي: كيف حاله؟
قلت: تركته ضريرا شيخا كبيرا.
.
قال: ثم سكت طويلا، ثم قال لهن: بكينني،
فوضعن عيدانهن ونكسن رؤوسهن وقلن:
تنصرت الأشراف من عار لطمةٍ *
وما كان فيها لو صبرت لها ضرر
تكنفني فيها اللجاج ونخوةٌ *
وبعت بها العين الصحيحة بالعور
فيا ليت أمي لم تلدني وليتني *
رجعت إلى القول الذي قاله عمر
ويا ليتني أرعى المخاض بقفرةٍ *
وكنت أسيرا في ربيعة أو مضر
ويا ليت لي بالشام أدنى معيشةٍ *
أجالس قومي ذاهب السمع والبصر
أدين بما دانوا به من شريعةٍ *
وقد يصبر العود الكبير على الدبر
قال: فوضع يده على وجهه فبكى حتى بلّ لحيته
بدموعه وبكيت معه، ثم استدعى بخمسمائة دينار هرقلية فقال: خذ هذه فأوصلها إلى حسان
بن ثابت، وجاء بأخرى فقال: خذ هذه لك.
فقلت: لا حاجة لي فيها ولا أقبل منك شيئا
وقد ارتددت عن الإسلام.
فيقال: إنه أضافها إلى التي لحسان، فبعث
بألف دينار هرقلية، ثم قال له: أبلغ عمر بن الخطاب مني السلام وسائر المسلمين.
فلما قدمت على عمر أخبرته خبره فقال:
ورأيته يشرب الخمر؟
قلت: نعم!
قال: أبعده الله، تعجل فانية بباقية فما
ربحت تجارته.
ثم قال: وما الذي وجه به لحسان؟
قلت: خمسمائة دينار هرقلية، فدعا حسانا
فدفعها إليه، فأخذها وهو يقول:
إن ابن جفنة من بقية معشرٍ * لم يغرهم
آباؤهم باللوم
لم ينسني بالشام إذ هو ربها * كلا ولا
منتصرا بالروم
يعطي الجزيل ولا يراه عنده * إلا كبعض عطية
المحروم
وأتيته يوما فقرب مجلسي * وسقا فرواني من
المذموم
شكراً
ردحذف